حورية البحر
حينما حضنت الشمس صدر البحر ..
وذابت أجنحتها فيه مع المغيب رويداً ..رويداً
عادت المراكب تتراقص مع الأمواج إلى جسد الشاطئ ..
كانت الاميرة (سارة ) تقف بين زهور شرفتها تتابع المغيب بصمت
حتى وضعت يدأ على كتفها ويقول صاحبها : هل لديك امنية اخرى ؟
فقالت بعد ان وضعت يدها على تلك اليد التي حول كتفها : امنياتي الان بين يدي يامروان...ابتسم مروان يتأمل مع سارة المغيب ..بهدوء ..ولمع الخاتم بيد مروان
لقد عادت به سنوات حينما لمعت تلك الشمس في ذلك الصباح
ونادى جميع الصيادين: مروان انه والدك لقد التهم رجله سمك قرش
تحرك مروان بين ارجل الصيادين يحضن والده وبعض الصيادين يقولون
: يأا لهي من سيهتم بمروان الصغير الا يكيفه فقد امه ليفقد الان والده
وقال بعضهم : انها مأساة لطفل يبلغ الخامسة عشرة لابد أن يهتم به أحد الأغنياء أو دور الأيتام ..
ومجرد ان اقترب احد الصيادين من يد مروان ..بسرعة البرق اخرج مروان سكين تقطيع الثلج وخدش بها يد ذلك الصياد ..
فقال الصياد : ايها المتوحش نريد مساعدتك ..
التف مروان بعين يغرقها الدمع وقال بكل شدة : لا اريد مساعدة من احد
ثم حضن والده وهو يصرخ بكل حدة صوت : أبي ...أبي
لقد تردد صدى صوته على البحر وفعل دوياَ جعل جميع طيور النورس تغادرالقوارب ..بين تلك الصرخات وفي سوق السمك ارتفع نبأ موت الصياد عمر وفي مكتب الشيخ الأعرج ناصر شيخ الصيادين وصاحب المراكب ردد ذلك الصياد : انها خسارة كبيرة فله ولد صغير
انزل الشيخ ناصر كوب قهوته وقال بهدوء : خسارة هي موت عمر لقد كان افضل الصيادين ..اخبروا الصيادين انه سيكون غدا حداد وعزا ء لموت عمر ..جميعا
قال الصياد : وماذا نفعل بولده الصغير ليس له أقارب وسيكون عبئاً كبير على الصيادين ..
قال الشيخ ناصر : وكم عمر ولده ..
قال الصياد : انه في الخامسة عشرة او السادسة عشرة تقريباً
تنهد الشيخ ناصر وقا ل: اجعله يعمل مع منصور الاعور من الغد
قال الصياد : ولكن ياسيدي منصور الاعور حاد الطباع ..وسوف يؤلمه ..
تحركت يد الشيخ ناصر بسرعة ولطمت الصياد قبل ان يكمل حديثه وسقط الصياد
وقال : للصياد عمر فضائل كثيرة وينبغي ان يكون ولده مثله بحار قوي ان الأيتام ينكسرون بسرعة لابد ان ينسى رحيل والده بشيء يشغله و ولده الان لا يحتاج الى الشفقة .
وفي اليوم التالي وقف جميع الصيادين على الشاطيء وبعضهم يضع جثة عمر على قارب خشبي وبالقرب وقف مروان يهتز من البكاء ..وماهي الا ثواني حتى وقف ظل كبير على وجه مروان والصيادين ..لقد كان الشيخ ناصر ..يقول خطبته للصيادين حتى وصل الى كلمات تقول : اسد البحر عمر نام اليوم في بحر هانىء ..بدون عواصف ولا غرق ..نقف اليوم تحية واجلالا بموت صياد عظيم ..وليرحمك رب السماء والبحر ..لقدكنت الافضل ..
ثم انحنى نحو مروان وقال : مااسمك ايها الصياد ..
فقال مروان والدموع تترقرق من بين عينيه ..مروان
فوضع الشيخ ناصر يده على كتف مروان وقال : مركب والدك هي مركبك وسوف اجعل الاعور يساعدك في الصيد ..
فقال مروان : انا استطيع ياسيدي الابحار بمركبك واعدك ان احضر لك نفس كمية السمك التي يبيعها والدي يرحمه الله في سوق السمك وادفع لك ايجار المركب والمعدات .. فانا قوي واستطيع
قال الشيخ منصور : لا اريد منك ايجار المركب ولا النسبة يامروان لمدة اربعة سنوات حتى يشتد عودك ..وبالمناسبة لا تدفع الايجار لذلك العجوز فلقد اصبح كوخ والدك الخشبي ملك لك الان ..ولكن لابد ان يكون منصور الاعور معك حالياً انها اوامري ..
فقال مروان : اشكرك ياسيدي وسمعاً وطاعة لإوامرك ..
وفي صباح اليوم التالي ومع اول بزوغ للشمس سُكب دلو الماء على وجه مروان فصرخ ..فابتسم منصور الأعور وقال : ايها الطفل المركب تنتظرك الأن
انزعج مروان وقال : من سمح لك دخول الكوخ ايها الأعور ..انا لست بالطفل
قال منصور الاعور : بالعفل انك تشبه طفلة ولست طفلة ..قومي ايتها الطفلة
حمل مروان سكين الثلج من وراء ظهره وتوجه بها نحو صدر الاعور الذي تفادها وبيدا واحدة حولها على عنق مروان دون ان يلمس عنقه ..فاندهش مروان من تلك السرعة ..فقال الأعور: يدك مثل الاطفال سريعة ولكنها لا تركز على الهدف ,صحيح اني عجوز واعور لكني في بساطة استطيع تمزيق تلك العنق في اسرع مما تتصور . اوامري هي حياتك ومستقبلك اذا عصيتها تذكر هذه اللحظة فلست بجليسة اطفال وعمل الرجال لا يحمل المشاعر او الرحمة .
على سطح ذلك القارب اخذ مروان يكسر قوالب الثلج ويضعها في ثلاجة الصيد الصغيرة اما الاعور فقد اشعل سيجارته واخذ يتمدد في مقدمة القارب .
فقال مروان : ماسبب اصابة عينك ايها الاعور ولماذا تضع عليها هذه البقعة السوداء ..
قال الاعور : لا تضيع الوقت الان احمل هذه الشبكة وارميها في البحر اننا نمر فوق الشعب المرجانية التي يختبىء تحتها السمك ..
حمل مروان الشبكة ورماها في البحر ولكن علقت اطرافها الحديدة في ثوب مروان وجذبته معاها الى البحر ...وفي الاعماق غاص جسم مروان ..ورأى والده يبتسم اليه مع وميض الشمس المتراقص داخل الاعماق وماهي الا ثواني حتى رأى الاعور يغوص مثل السهم الخارق بجانبه ويستخدم السكين في تقطيع ثوب مروان وفي اجزاء من الثانية حمل مروان وصعد به الى الاعلى ولكن لمح مروان قرشاً يقترب منه فأغمى على مروان ..حينما فاق مروان على سطح القارب وجد وجه القرش امامه فصرخ
فقال الأعور : لا تخف لقد قطعته اربع قطع وسوف اكله اليوم
بكى مروان ووضع يده حول وجهه فلطمه الاعور بزعنفة سمك القرش الميت فسقط وهو يتحسس وجهه ..فقال الأعور : لقد جعلنا البكاء لمن يسكنون الشاطىء هنا الرجل لا يبكي فأما ان يعيش مثل القرش او يكون طعما لغيرة مثل الاسماك الصغيرة .
فكر مروان بكلام الاعور انه وحيد وبدون اب ولكن الرجل لا يحتاج الى احد كي يكون قوياً هذه الاعور يحمل كدمات في جسمه كثيرة ولكنه فعلا قويا الشخصية والجسم انه لا يحتاج احد ...لقد رأى مروان كثيرا من اصحاب العاهات ودائما يكونون في ضعف ولكن هذه الرجل روحه اسطورة انه عن جميع الصيادين
قال الأعور : بالنسبة لفقدي عيني اليسار فلقد عانى من فقدني إياها جرحاً بالغاً في صدره وبطنه وكان على وشك الموت ..
كان مروان يبحث في هذا السن عن قدوة واحس انه سوف يتعلم من الاعور الكثير هنا فقط بدأ مروان يترك العناد وتعلم الكثير من هذا الصياد ..
اشعل الاعور سيجارته الثانية وتمدد وهو يضع قبعته على اعينه ..
حاول مروان سحب شبكة الصيد لكي يحاول ان يجذب اهتمام الاعور الى قوته
فقال الأعور بصوت هامس من خلف قبعته : ليس الان ..لم يحضر السمك الكبير بعد
لابد ان تتعلم الانتظار ..السمك الصغير لن يفيدني كثيرا اني ابحث عن الناجل والهامور والشعور ..وهذا النوع من السمك يأخذ وقتا كبيراُ حتى يحضر من تحت الشعب المرجانية .
مضت ساعتين الموج يتحرك بهدوء والشمس تنتصف السماء وبدأ القارب يهتز قليلا فخاف مروان ومسك احد اعمدة القارب ..
ضحك الاعور وقال بهدوء : مما تخف ايها الطفل انت هنا الملك وهذا عالمك انت البحار الذي يخترق الاعماق ويأخذ من البحر كنوزه غصبا عنه ..ويواجه الرياح والاعاصير ..
خجل مروان واقترب من الاعور ورفع قبعة الاعور ونظر إليه وقال ..
: سيدي منصور كيف اعرف ان السمك الكبير قد حضر ..
نظر منصور الى الشباك البعيدة فرأى انها تترفع وتتحرك بقوة على سطح البحر
فقال : ان السمك الصغير ضعيف لا يحاول أي محاولة مع الشباك لكن السمك الكبير مثل الخيول المتمردة يكره الشباك وتراه يحاول الخروج منها بقوة ..لحسن حظك انه الان .
اقترب المركب من الشباك ورفع الاعور الشبكة ..وصرخ في وجه مروان
: التقط الاسماك وضعها في صندوق الثلج
لقد كانت الاسماك تتطاير في وجه مروان وهو يحاول جمعها ابتسم مروان وقال في نفسه سوف يفرح الشيخ ناصر بهذا الحجم من الاسماك لدينا كل الانواع .
لكن ابتسامته اختفت حينما رمى الاعور الشبكة للبحر ..
فقال مروان : لدينا العديد من الاسماك ..هل سوف نصيد مرة اخرى ..
ابتسم الاعور ولم يرد على مروان وعاد ووضع قبعته قبل ان يقول :
هنالك ثلاجة حمراء كبيرة احضرها وضع فيها الثلج ..
مرت ساعات طويلة ومروان يراقب محارة في القارب ويحاول سماع صوت البحر فيها ..وفي تلك اللحظة تحركت تلك الشبكة بقوة فقام الاعور ورمى السمك على مروان الذي عرف ماذا يصنع ..بعد قليل حرك الاعور القارب في اتجاه الشاطيء
وماهي الا ساعة حتى شاهدوا منارة الشاطيء وقوارب الصيادين العائدة .
فصاح الاعور : من هو الفاشل اليوم ...ايها الصيادين
فقال صياد : انه صبري فلم يستطيع الصيد مرة اخرى وهو خائف من الشيخ ناصر ان يطرده ..فاقترب قارب الاعور من قارب صبري وقال :
لا يهمك ..ياصبري ..خذ هذه الثلاجة الحمراء الخير كثير اليوم
هلت دموع صبري وهو يحمل السمك الى قاربه ..وقال : لله درك يا منصور سوف تفرح زوجتي كثيرا ..وابنتي الصغيرة ..
قال الاعور : دع عنك هذا الكلام ..وحاول ان تسرع قبل ان يراك الشيخ
على الشاطيء اندهش مروان من الناس وهم حول الصيادين انهم اصحاب الفنادق وتجار السوق يحاولون عرض الاسعار لكي يأخذو السمك الطازج ..قبل ان يصل للسوق .
ابتسم الاعور وقال : لايهمك في السوق دائما هنالك افضل سعر لا تهتم بسارقين السلع هؤلاء حمل مروان صندوق السمك وهو يلتفت يمين ويسار وقف الاعور امام دكان عمر وقال هنا سوف يباع السمك ..اذا سمحت لي
ابتسم مروان ودمعت اعنيه وقال :
لي الفخر سيدي منصور بأن تباع اسماكك في دكان والدي ..سوف لن ينساه الصيادين .
جاء الشيخ ناصر وهو يبتسم ويقول : ايها الاعور كيف حال عينك اليسرى
فابتسم الاعور ونظر الى صدر الشيخ ناصر وقال : بنفس حال صدرك وبطنك ياشيخ السوق ..صمت الجميع لبرهه وجاءت الرياح وحركت قميص الشيخ ناصر لتظهر من خلف القميص اثر عميق لجرح بين الصدر والبطن ابتسم الشيخ وقال
: مروان اخبرني هل استمتعت اليوم ..فقال مروان : جدا جدا سيدي منصور علمني الشيء الكثير ..
قاطعه الشيخ ناصر وقال وهو ينظر الى الاعور : لا تستبق الاحداث اجعله يكبر في بطىء ..قال الأعور : هذا شيء يقرره هو لا انت ..ومروان سوف يكون رجل عظيما وسوف يحكم السوق بغير اولئك الشيوخ الذين يحملون المال والعصابات لكي يكونو شيوخ ..وهم عالة على الصيادين .
اخرج احد الصيادين المرافقين للشيخ خنجراُ طويل لكن الشيخ رفع يده وقال :
اليوم يوم سعيد ..وبخصوص المال تقاسموا هذه الاسماك بينكما لا اريد النسبة اليوم
ثم رحل في صمت ..فقام مروان من الفرحة يمسك برجل الاعور يحضنها ويقول : انه سمك كبير سنصبح اغنياء اليوم سنصبح اغنياء ..