**|
.. العجوز الضرير ..|
**
في إحدى القرى القديمة وفي منطقة صحراوية يسود بها المظهر البدائي ، كان يعيش هنالك عجوز فقير ضرير لم يحبه أي شخص في تلك القرية والسبب في كرههم له فقره الذي بدا ظاهراً عليه ، أحبه صبي صغير يتيم كان يعيش في منزل متهالك مع والدته التي كانت تعمل في خياطة الملابس لأهل القرية ، كانت أماً تربي ابنها على أخلاق رسولنا الكريم وتحثه على مساعدة الغير أياً كان هذا الشخص الذي سوف يقدم له المساعدة ، كانت تحثه على مساعدة هذا العجوز الفقير الذي لا يوجد من يساعده ويمد له يد العون سوى خالقه ، كان يذهب كل يوم إليه وينتبه لخطاه عندما يذهبان سوياً إلى المسجد وكان يبقى معه للاستماع إلى الحلقات الدينية ، وبعد ذلك يصطحبه إلى منزله بعد إعداد والدته العشاء لكي يأخذه له ، واستمرت الأيام والشهور وهذا الصبي يقدم المساعدة لهذا الضرير ، وفي صباح يوم مشرق وبعد العودة من المسجد واصطحاب العجوز إلى منزله ذهب لوالدته كي يأخذ منها طعام الإفطار كعادته ويذهب للإفطار مع العجوز الذي لا حول له ولا قوة ، عاد الصبي مسرعاً إلى منزل العجوز وقام بطرق الباب ولكن لم يجب عليه خطر على بال الصبي أنه ربما هو منشغل بأمر ما لذلك لم يجب عليه ، و عاود الكرة وطرق الباب مرة أخرى ولكن لا مجيب والسكون يعم المكان ، بدا الصبي في حيرة من أمره والأسئلة تدور في مخيلته لما يا ترى لا يجيب ؟ ماذا دهاه ؟! ولما كل هذا السكون الذي يعم الأرجاء ؟! خطرة فكرة على باله وهي أن يطرق الباب لآخر مرة إن لم يجب سوف يدخل إلى المنزل من النافذة للاطمئنان عليه ، طرق الباب وهو يتمنى أن يرد عليه وأن لا يكون قد حصل له أي مكروه لكن للأسف أيضاً لا يجيب على طرقه ، ترك الصبي الطعام على عتبة باب العجوز وذهب إلى نافذة غرفته وبعد عدة محاولات أستطاع أن يفتح النافذة ، ما إن دخل إلى غرفته إلا وصدمة تنتاب الصبي لما شاهده ! العجوز ممد على فراشه ، خاف الصبي من الاقتراب وتمنى لو أن الأمر الذي طرأ على مخيلته أن لا يتحقق ، قرب منه ونبضات قلبه في ازدياد ، ناداه بصوت خافت غلب عليه الحزن وغصات البكاء أبي استيقظ استيقظ لنأكل الإفطار سوياً ولكن العجوز قد فارق الحياة وترك لهذا الصبي مرارة الفراق، خرج الصبي يركض من منزله وهو يقول بأعلى صوته والدموع أخذت مجراها على خده لقد فارق الحياة ويكررها حتى خرج من القرية ، ذهب ليجلس بالقرب من الجبال المحيطة بقريته يبكي ويتذكر أجمل اللحظات التي قضاها برفقة هذا العجوز الذي أحبه وكان يعتبره مثل والده الذي فقده وهو صغير ، بدأ يحل الظلام والصبي لم يعود إلى المنزل ، دخل الخوف إلى قلب والدته المسكينة التي صدمت عند سماعها خبر وفاة ذلك العجوز الضرير وما سيحل لابنها الذي كان متعلقاً به وتمنت من الله أن يحفظ لها ابنها وأن لا يحل له أي مكروه جراء ما حدث لهذا العجوز ، ظل الصبي خارج القرية وهو لا يعلم ما يخبأه له القدر ، سمع الصبي صوت شيء ما يتحرك بجانبه لكن شدة الظلام منعته من رؤية ذلك الشيء الذي يتحرك بالقرب منه ، قرب الصوت منه ما إن ألتفت بجانبه إلا وحية تطلق سمها في وجهه و من شدة خوفه فقد الصبي وعيه ، وفي تلك الأثناء خرجت الأم تستنجد بأهل القرية للقيام بالبحث عن فتاها الوحيد ، خرج جميع أهل القرية من رجال ونساء وأطفال لمساندتها في مصيبتها ، تفرق رجال القرية في البحث عنه ، منهم من كان داخلها والجزء الآخر خرج من القرية ، واستمر البحث حتى وجدوا الصبي ملقى على جانبه وهو فاقد لوعيه ، ذهبوا به مسرعين إلى حكيم القرية وبعد إطلاعه عليه خرج إلى والدته وأهل القرية وهو ينقل لهم خبر فقدان الصبي بصره وأنه سيظل طول عمره لا يرى النور مرة أخرى إلا بمشيئة الله تعالى ، حزنت الأم لسماعها الخبر السيئ عن ولدها الوحيد ولكنها رضت بقضاء الله الذي كتب لابنها ، دفن العجوز في مقابر القرية وبعد دفنه اجتمعوا عند شيخ القرية ليقول لهم وصيته التي قالها قبل موته لإمام المسجد وطلب منه أن يقولها لنا وهي أن يرث ذلك الصبي بيته و ما لديه من مال مدفون تحت فراشه بعد تعاونه هو وإمام المسجد في أحد الأيام على دفنها لكي لا يجدها أحد وليقدمها لذلك الصبي ميراث كشكر وعرفاناً على جميله ، تفاجأ أهل القرية لسماعهم ما قاله لهم الشيخ ، بعد ذلك ذهب الإمام وأخرج المال وأعطاه الصبي و والدته بعد إعلامهم سبب هذا المال ، وأخذ الصبي المال وأعطاه لشيخ القرية بأن يأخذ جزءاً من المال ويبني به مسجداً ثاني لأهل القرية ويكون باسم العجوز ، والجزء الآخر المتبقي من المال يوزعه لفقراء ومساكين القرية وأن يكون كل عمله صدقة جارية تفيد هذا العجوز في قبره ، بنى شيخ القرية منزلاً آخر لهذا الصبي و والدته بدلاً من منزلهم المتهالك القديم وأصبحت تضرب الأمثال في أخلاقه وعاش هذا الصبي بسعادة رغم فقدانه بصره بعد كسبه محبة جميع أهل القرية لأخلاقه العالية .
الحكمة من القصة : تعويد الطفل منذ صغره على أن الخير يكسبه المحبة ويصير له عادة .
لقول الشاعر : قد ينفع الأدب الأولاد في صغر وليس ينفعهم من بعده أدب
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين ولو لينته الخشب