يتمني اي والدين بالطبع ان يعيش ابناؤهم في جو من السعادة والهناء الأسري ليظلوا طوال حياتهم محتفظين بهذه الذكري الجميلة لأيام الطفولة.. وهي الذكري التي تساعد علي استقرارهم النفسي وتوازنهم الاجتماعي طوال العمر لذلك,نجد الكثيرين يسألون انفسهم هل حقا يعيش ابناؤنا سعداء وماذا يكون حالنا لو اجابونا.. لا؟ الاجابة بلا شك تتطلب أولا معرفة كيف نربي أطفالا يتمتعون بالسعادة بين أبوين يعلمان جيدا المطلوب منهما تجاه أولادهما خاصة مع متغيرات العصر, حيث كان الناس في الماضي يتزوجون وينجبون ويربون أولادهم بسهولة دون حاجة لتأمل واقع أولادهم سواء كانوا سعداء أم لا, لأن الأمور كانت ميسرة وغير معقدة..
هكذا قال الدكتور سميح أمير استاذ علم نفس الطفل بجامعة القاهرة, مشيرا الي ان التربية اليوم علم صعب, اختلطت فيه مدخلات عديدة كالتليفزيون والكمبيوتر والنادي وحالة عدم الرضا المنتشرة بين الابناء لنظرتهم للغير, والتفاوت الطبقي الواضح, وينبه الي ان هناك نقاطا لايهتم بها الآباء وتؤثر سلبا علي الأبناء, منها ان الحب والحنو ابلغ من تقديم المال لان الابناء في حالة حصولهم علي كل شيء بسهولة ويسر يدركون مع الوقت ان الوالدين يرفعونهم الي منزلة من الأهمية لم يكتسبوها عن حق ممايجعلهم أنانيين, فالاهتمام الزائد عامل هدام لشخصية الأبناء خاصة إذا لم يكونوا علي درجة من الالتزام والطاعة.. فالأهل في كثير من الأحيان يجهلون الهدف الأسمي من التربية والذي يتلخص في مساعدة الصغار علي الاستقلال بشرط القيام بالواجبات المطلوبة منهم بنجاح..
وأضاف أن غياب الوالد بالسفر أو الانهماك في جمع المال لتيسير وتأمين حياة الأولاد خرافة يصدقها الوالد, لأنه يتناسي أن حضوره ضروري, وعنصر قوة في التربية ولا يكون الأولاد سعداء بغيابه, فكم قال أطفال يعالجون نفسيا كم أتمني أن يحضنن والدي بالحب ويقول إني أحبك بدلا من المكالمات التي نسمعها في سفره ولا تترك أي سعادة في نفسي.. وحقيقة الأمر ان الصغار تواقون الي مزيد من العاطفة الصريحة من الآباء والتوجيه المباشر حتي لو كان لوما أو عتابا, فالاتصال المباشر اليومي بين الأسرة يكسبهم الأمان والثقة, والنظر للعالم المحيط بالأبناء يتطلب الاستيعاب من الوالدين والنصح دون مباشرة, لأن الرقابة المشددة تخيف الأبناء والاهتمام الكثير بلا تأديب أمر محفوف بالمخاطر لاستسهال الخطأ طالما لا عقاب, وليتذكر الآباء ان التأديب هدية محبة دائمة للأبناء لأنه لمصلحتهم ومستقبلهم, ولا مانع بعد ذلك من الحنو والتدليل حتي لايترك التأديب اثرا نفسيا سيئا يجلب للابن التعاسة.
وتعلق الدكتورة أسماء حمدي أستاذ علم الاجتماع علي ماسبق قائلة إن إسعاد الأبناء أليوم أمر صعب لأن مباهج الحياة متعددة, ولايمكن توفيرها إلا لقلة من الآباء مما يجسد عند الأبناء قصور الوالدين في إسعادهم, لكن في حالة فهم الوالدين لأسس التربية الصحيحة يكون الدرس الأول فيها هو الرضا بالممكن والسعي بالجهد والكفاح للحصول علي المستحيل, ثم يلي ذلك الاعتدال في المعاملة بالحسني والتفاهم.. والبعض يقول ان الأسرة مجتمع ديمقراطي دون تطبيق ذلك داخلها فالكلمات صارمة دون حوار دون ان يفهم الأبناء لماذا لا ولماذا نعم والمطلوب من الأولاد الطاعة العمياء وصارت عبارة مثل لأنني قلت ذلك فلا مناقشة لأنني أبوك والقرارات مسئوليتي تفقد الابناء الرغبة والحماس لمعرفة الصواب من الخطأ بل وتصيبهم بالقهر الفكري والشعور بالدونية والاقلال. واضافت ان بعض الأهل يتوهم ان دورهم حماية الأبناء من الاحباط غافلين ان الحياة مليئة بالخيبات ولا يمكن تنمية القدرة علي احتمال الأزمات إلا من خلال مواجهتها حتي يتعلم الأبناء تحويل المحنة لارادة وتحد يحول الفشل لقوي ايجابية يحتاجون إليها في الحياة لذلك لابد من اعطاء الأولاد جرعات منتظمة من فيتامين لأ لانه غذاء جيد لبناء الشخصية فليس مطلوبا توفير كل مايطلبه الصغار, لأن ذلك يحبب اليهم الكسل عن السعي من أجل الحصول علي الأمنيات وذلك في زمن يحتاج إلي العمل المتواصل للوصول الي مانريدة واستيعاب الأبناء لماذا نرفض تلبية هذا المطلب أو ذاك لأسباب مالية أو أولويات ضرورية يعودهم ان ليس كل مايتمناه المرء يدركه بسهولة, مع التأكيد علي ان استخدام لا بلا حوار يتعس الصغار ويربكهم, وأشارت الي ان تحقيق السعادة للأبناء يختلف من أسرة لأسرة بقدر طموحات ومهارات الصغار ونصحت بتعويد الصغار علي المشاركة في مهام الأسرة, لأن وضع العمل ضمن منظور انساني صحيح من خلال التعاون الجماعي لأفراد الأسرة يعظم دور الجهد, وقد لخص تولستوي دور العمل في جملة واحدة هي وسع المرء أن يعيش حياة سعيدة في هذه الدنيا إذا عرف كيف يعمل وكيف يحب فيعمل من اجل مايحب ويحب مايعمل.. ويمكن تطبيق هذه المقولة في الأسرة بتوزيع الأدوار واحترام ومكافأة من يؤدي أفضل عمل لتقديم القدوة للأبناء بأن السعادة عملية متبادلة واحساس جماعي ذلك في جلسات تقارب وحميمية لمنح الأولاد الدعم والتفاؤل بالمستقبل في ظل قوة الوالدين التي تقف بجوارهم وتساندهم في كل خطاهم.